المدونة

كتاب الصيام – سلسلة الملخص الفقهي | لمعالي شيخنا العلامة الدكتور صالح بن فوزان

■ سِـلْـسِلَـةُ الْـمُـلَـخَّص الْـفِـقْـهِـي ■ لِمَعَالِي شَيْخِنَا العَلَّامَة الدُّكْـتُور / صَالِح بن فَوْزَان الفَوْزَان حَفِظَهُ اللهُ وَرَعَاهُ وأَمَدَّهُ بِالعَافِيَةِ

– كِـتَـابُ الــصِّــيَــام – الـعَـدَد:(  ١  )

__________

قَالَ شَيْخُنَا عَفَا اللهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ:

       بِـسْـمِ اللــهِ الـرَّحْـمَــٰنِ الـرَّحِـيـمِ

  بَـابٌ فِي وُجُـوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَوَقْتِهِ

■ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ رُكْنٌ مِنْ أَركَانِ الإِسْـلَامِ، وَفَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ اللهِ، مَـعْـلُـومٌ مِـنَ الـدِّينِ بِالضَّرُورَةِ.

■ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الـكِـتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ:

قَالَ اللهُ تَعَالَىٰ:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ إِلَىٰ قَوْلِهِ تَعَالَىٰ:﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ الآيَة، وَمَعْنَىٰ:﴿كُتِبَ﴾ فُــرِضَ، وَقَـالَ:﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ وَالأَمْــرُ لِلْـوُجُـوبِ.

وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ:«بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَىٰ خَمْسٍ» وَذَكَـرَ مِنْهَا: صَـوْمَ رَمَضَانَ.

وَالْأَحَـادِيثُ فِي الـدَّلَالَـةِ علىٰ فَـرْضِيَّتِهِ وَفَضْلِهِ كَـثِيـرَةٌ مَـشْـهُـورَةٌ.

وَأَجْـمَـعَ المُسْلِمُونَ علىٰ وُجُوبِ صَوْمِهِ؛ وَأَنَّ مَـنْ أَنْـكَـرَهُ كَــفَــرَ.

وَالـحِـكْـمَــةُ في شَـرْعِـيَّـةِ الصِّيَامِ: أَنَّ فِيهِ تَـزْكِـيَـةً لِلنَّفْسِ، وَتَـطْـهِـيرًا وَتَنقِيَةً لَهَا مِنَ الأَخْلَاطِ الرَّدِيئَةِ، والأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ؛ لِأَنَّهُ يُضَيِّقُ مَجَارِيَ الشَّيْطَانِ فِي بَدَنِ الإِنْسَانِ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْـرَى الـدَّمِ، فَـإِذَا أَكَـلَ أَوْ شَـرِبَ؛ انْبَسَطَتْ نَفْسُهُ لِلشَّهَوَاتِ، وَضَعُفَتْ إرَادَتُهَا، وَقَلَّتْ رَغْبَتُهَا فِي الـعِـبَـادَاتِ، وَالصَّوْمُ على العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ.

وَفِي الصَّوْمِ تَـزْهِـيدٌ فِي الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا، وتَـرْغِيبٌ فِي الآخِـرَةِ، وَفِيهِ بَـاعِـثٌ عَلَى العَـطْفِ عَلَى المَسَاكِينِ، وَإِحْسَاسٌ بِآلَامِهِمْ؛ لِمَا يَذُوقُهُ الصَّائِمُ مِنْ ألَـمِ الجُوعِ وَالعَـطَشِ.

لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي الـشَّـرْعِ، هُـوَ: الْإِمْسَاكُ بِنِيَّةٍ عَنْ أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ، مِـنْ أكْـلٍ وَشُـرْبٍ وَجِمَاعٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، وَيَتْبَعُ ذَلِكَ الإِمْسَاكُ عَـنِ الـرَّفَـثِ وَالـفُـسُـوقِ.

– نَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ ، وَنُكْمِلُ فِي الْعَدَدِ الْقَادِمِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ –

__________

[ الجُزْءُ الأَوَّل: صَـــ: ٢٦١ – ٢٦٢ ] .



■ سِـلْـسِلَـةُ الْـمُـلَـخَّص الْـفِـقْـهِـي ■ لِمَعَالِي شَيْخِنَا العَلَّامَة الدُّكْـتُور / صَالِح بن فَوْزَان الفَوْزَان حَفِظَهُ اللهُ وَرَعَاهُ وأَمَدَّهُ بِالعَافِيَةِ

– كِـتَـابُ الــصِّــيَــام – الـعَـدَد:(  ٢  )

__________

وَصَلْنَا إِلَىٰ قَوْلِ شَيْخِنَا حَفِظَهُ اللهُ:

■ وَيَبْتَدِئُ وُجُوبُ الصَّوْمِ اليَوْمِيِّ: بِطُلُوعِ الفَجْرِ الثَّانِي، وَهُوَ البَيَاضُ المُـعْـتَـرِضُ فِي الْأُفُقِ، وَيَنْتَهِي بِغُرُوبِ الشَّمْسِ؛ قَـالَ اللهُ تعالىٰ:﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ يَعنِي: الـزَّوْجَـاتِ

﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾

وَمَعنَىٰ:﴿يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْر﴾ أَنْ يَتَّضِحَ بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ.

■ وَيَبْدَأُ وُجُـوبُ صَوْمِ شَهْـرِ رَمَضَانَ، إذا عُـلِـمَ دُخُـولُـهُ.

■ وَلِلْعِلْمِ بِدُخُولِهِ ثَـلَاثُ طُرُقٍ:

الطَّرِيقَةُ الأُولَىٰ: رُؤْيَةُ هِلَالِهِ؛ قال تعالىٰ:﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ وقال النَّبِيُّ ﷺ:«صُومُوا لِـرُؤْيَـتِـهِ» فَمَنْ رَأَى الهِلَالَ بِنَفْسِهِ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ.

الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: الشَّهَادَةُ عَلَى الرُّؤْيَةِ، أَوِ الْإِخْبَارُ عَنْهَا؛ فَيُصَامُ بِرُؤْيَةِ عَـدْلٍ مُكَـلَّـفٍ، وَيَكْفِي إِخْبَارُهُ بِذَلِكَ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ:(تَـرَاءَى النَّاسُ الهِلَالَ، فأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّٰهِ ﷺ أَنَّي رَأَيْتُهُ، فَصَامَ، وَأَمَـرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ والحَاكِمُ.

الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: إِكْـمَـالُ عِـدَّةِ شَهْرِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَذَلِكَ حِينَمَا لَا يُرَى الهِلَالُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شعبانَ، مَعَ عَدَمِ وُجُودِ ما يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ مِنْ غَيْمٍ أوْ قَتَرٍ، أَوْ مَعَ وُجُـودِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ:«إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا؛ فَلَا تَصُومُوا حَتَّىٰ تَـرَوا الهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّىٰ تَـرَوْهُ، فَإِنْ غُـمَّ عَلَيْكُمْ؛ فَاقْدُرُوا لَـهُ» وَمَعنَىٰ:«اقْدُرُوا لَـهُ» أي: أَتِمُّوا شَهْرَ شعبانَ ثَلَاثِينَ يومًا؛ لِمَا ثَبَتَ في حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ:«فَإِنْ غُـمَّ عَلَيْكُمْ؛ فَعُدُّوا ثَـلَاثِينَ».

■ وَيَلْزَمُ صَوْمُ رَمَضَانَ، كُـلَّ مُسْلِـمٍ مُكَلَّـفٍ قَـادِرٍ؛ فَلَا يَجِبُ عَلَىٰ كَافِرٍ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ، فَإِنْ تَـابَ فِي أثْنَاءِ الشَّهْرِ؛ صَامَ البَاقِي، وَلَا يَـلْـزَمُهُ قَضَاءُ مَـا سَبَقَ حَـالَ الكُـفْـرِ.

– نَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ ، وَنُكْمِلُ فِي الْعَدَدِ الْقَادِمِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ –

__________

[ الجُزْءُ الأَوَّل: صَـــ: ٢٦٢ – ٢٦٣ ] .





■ سِـلْـسِلَـةُ الْـمُـلَـخَّص الْـفِـقْـهِـي ■ لِمَعَالِي شَيْخِنَا العَلَّامَة الدُّكْـتُور / صَالِح بن فَوْزَان الفَوْزَان حَفِظَهُ اللهُ وَرَعَاهُ وأَمَدَّهُ بِالعَافِيَةِ

– كِـتَـابُ الــصِّــيَــام – الـعَـدَد:(  ٣  )

__________

وَصَلْنَا إِلَىٰ قَوْلِ شَيْخِنَا حَفِظَهُ اللهُ:

■ وَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَىٰ صَغِيرٍ، وَيَصِحُّ الصَّوْمُ مِنْ صَغِيرٍ مُمَيِّزٍ، وَيَكُونُ فِي حَقِّهِ نَافِلَةٌ.

■ وَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَىٰ مَجْنُونٍ، وَلَوْ صَامَ حَالَ جُنُونِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ؛ لِـعَـدَمِ الـنِّـيَّـةِ.

■ وَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ أَدَاءً عَلَىٰ مَرِيضٍ يَعْجَزُ عَنْهُ، وَلَا عَلَىٰ مُسَافِرٍ، ويَقْضِيَانِهِ حَالَ زَوَالِ عُـذْرِ المَرَضِ وَالسَّـفَــرِ؛ قَالَ تَعَالَىٰ:﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾.

■ وَالخِطَابُ بِـإِيـجَـابِ الصِّيَامِ، يَشْمَـلُ: المُقِيمَ وَالمُسَافِرَ، وَالصَّحِيحَ وَالمَرِيضَ، وَالطَّاهِرَ وَالحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ، وَالمُغْمَىٰ عَلَيْهِ؛ فَـإِنَّ هَـؤُلَاءِ كُلَّهُمْ، يَجِبُ عَلَيْهِمُ الصَّوْمُ في ذِمَمِهِمْ؛ بِحَيْثُ إِنَّهُمْ يُخَاطَبُونَ بِالصَّوْمِ؛ لِيَعْـتَقِـدُوا وُجُوبَـهُ فِي ذِمَمِهِمْ.

وَالـعَـزْمُ عَلَىٰ فِعْلِهِ: إِمَّا أَدَاءً، وَإِمَّا قَضَاءً.

فَمِنْهُمْ مَنْ يُخَاطَبُ بِالصَّوْمِ فِي نَفْسِ الشَّهْرِ أَدَاءً، وَهُـوَ الصَّحِيحُ المُقِيمُ؛ إلَّا الحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَاطَبُ بِالقَضَاءِ فَقَط، وَهُوَ الحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، وَالمَرِيضُ الَّـذِي لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ أدَاءِ الصَّوْمِ، ويَقْدِرُ عَلَيْهِ قَضَاءً.

وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَيَّرُ بَيْنَ الأَمْـرَيْـنِ، وَهُوَ المُسَافِرُ، والمَرِيضُ الَّـذِي يُمْكِنُهُ الصَّوْمُ بِمَشَقَّةٍ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ التَّلَفِ.

■ وَمَـنْ أفْـطَـرَ لِـعُـذْرٍ ثُمَّ زَالَ عُـذْرُهُ فِي أَثْـنَـاءِ نَـهَـارِ رَمَضَانَ؛ كَالمُسَافِرِ يَقْدَمُ مِنْ سَفَرِهِ، وَالحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ تَطْهُرَانِ، وَالكَافِرُ إِذَا أَسْلَمَ، والمَجْنُونُ إِذَا أَفَاقَ مِنْ جُنُونِهِ، وَالصَّغِيرُ يَبْلُغُ؛ فَـإِنَّ كُـلًّا مِـنْ هَـؤُلَاءِ يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ بَقِيَّةَ اليَوْمِ ويَقْضِيهِ.

وَكَـذَا إِذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ بِـدُخُـولِ الشَّهْـرِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ؛ فَإِنَّ المُسلِمِينَ يُمْسِكُونَ بَقِيَّةَ اليَوْمِ، وَيَقْضُونَ اليَوْمَ بَـعْـدَ رَمَضَانَ.

__________

[ الجُزْءُ الأَوَّل: صَـــ: ٢٦٣ – ٢٦٤ ] .





■ سِـلْـسِلَـةُ الْـمُـلَـخَّص الْـفِـقْـهِـي ■ لِمَعَالِي شَيْخِنَا العَلَّامَة الدُّكْـتُور / صَالِح بن فَوْزَان الفَوْزَان حَفِظَهُ اللهُ وَرَعَاهُ وأَمَدَّهُ بِالعَافِيَةِ

– كِـتَـابُ الــصِّــيَــام – الـعَـدَد:(  ٤  )

__________

   بَــابٌ فِي بَـدْءِ صِـيَـامِ الـيَـوْمِ وَنِـهَـايَـتِـهِ

قَالَ اللهُ تَعَالَىٰ:﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾.

قَالَ الإِمَامُ ابنُ كَـثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ:(هَـذِهِ رُخْصَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ، وَرَفْـعٌ لِـمَـا كَانَ عَلَيْهِ الأَمْـرُ فِي ابْـتِـدَاءِ الإِسْـلَامِ؛ فَإِنَّهُ كَـانَ إِذَا أفْـطَـرَ أحَـدُهُـمْ؛ إِنَّمَا يَحِلُّ لَـهُ الأَكْـلُ وَالشُّربُ وَالجِمَاعُ إلَىٰ صَـلَاةِ العِشَاءِ، أَوْ يَنَامُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَمَتَىٰ نَـامَ أَوْ صَلَّى العِشَاءَ؛ حَـرُمَ عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالجِمَاعُ إِلَى اللَّيْلَةِ القَابِلَةِ، فَـوَجَـدُوا مِنْ ذَلِكَ مَشَقَّـةً كَبِيـرَةً، فَـنَـزَلَـت هَــذِهِ الآيَـةُ، فَـفَـرِحُـوا بِهَا فَـرَحًـا شَـدِيـدًا، حَيْثُ أبَـاحَ اللهُ الْأَكْـلَ وَالشُّربَ وَالجِمَاعَ فِي أَيِّ اللَّيْلِ شَـاءَ الصَّائِمُ، إِلَىٰ أَنْ يَتَبَيَّنَ ضِـيَـاءُ الـصَّـبَـاحِ مِـنْ سَـوَادِ اللَّـيْـلِ).

فَتَبَيَّنَ مِنَ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: تَحْدِيدُ الصَّوْمِ اليَوْمِيِّ، بِـدَايَـةً وَنِـهَـايَـةً، فَبِدَايَتُـهُ: مِنْ طُلُوعِ الفَجْـرِ الثَّانِي، وَنِهَايَتُـهُ: إلىٰ غُـرُوبِ الشَّمْـسِ.

■ وَفِي إبَـاحَتِـهِ تَعَالَىٰ الْأَكْـلَ وَالشُّربَ إلىٰ طُلُوعِ الفَجْـرِ، دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ السُّحُـورِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:«تَسَحَّـرُوا؛ فَإِنَّ فِي السَّحُـورِ بَـرَكَـةً».

■ وَقَـدْ وَرَدَ فِي الـتَّـرغِـيبِ بِالسَّـحُـورِ آثَـارٌ كَثِيـرَةٌ، وَلَـوْ بِجُرْعَةِ مَـاءٍ، وَيُسْتَحَـبُّ تَأْخِيـرُهُ إِلَىٰ وَقْـتِ انْـفِـجَـارِ الـفَـجْــرِ.

وَلَـوِ اسْتَيقَـظَ الْإِنْسَانُ وَعَلَيْـهِ جَـنَـابَـةٌ، أَوْ طَـهُـرَتِ الحَائِـضُ قَبْلَ طُلُـوعِ الفَجْـرِ؛ فَإِنَّهُمْ يَبْـدَؤُونَ بِالسَّحُورِ، ويَصُومُونَ، وَيُـؤَخِّـرُونَ الِاغْتِسَالَ إِلَىٰ بَـعْـدَ طُلُـوعِ الـفَـجْــرِ.

وَبَـعْـضُ النَّاسِ يُـبَـكِّـرُونَ بِـالـتَّـسَـحُّــرِ ، لِأَنَّهُمْ يَسْهَـرُونَ مُـعْــظَــمَ اللَّــيْــلِ…

– نَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ ، وَنُكْمِلُ فِي الْعَدَدِ الْقَادِمِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ –

__________

[ الجُزْءُ الأَوَّل: صَـــ: ٢٦٥ – ٢٦٦ ] .





■ سِـلْـسِلَـةُ الْـمُـلَـخَّص الْـفِـقْـهِـي ■ لِمَعَالِي شَيْخِنَا العَلَّامَة الدُّكْـتُور / صَالِح بن فَوْزَان الفَوْزَان حَفِظَهُ اللهُ وَرَعَاهُ وأَمَدَّهُ بِالعَافِيَةِ

– كِـتَـابُ الــصِّــيَــام – الـعَـدَد:(  ٥  )

__________

وَصَلْنَا إِلَىٰ قَوْلِ شَيْخِنَا حَفِظَهُ اللهُ :

وَبَـعْـضُ النَّاسِ يُـبَـكِّـرُونَ بِـالـتَّـسَـحُّــرِ، لِأَنَّهُمْ يَسْهَـرُونَ مُـعْــظَــمَ اللَّــيْـلِ، ثُـمَّ يَتَسَحَّـرُونَ وَيَنَامُونَ قَـبْـلَ الفَـجْـرِ بِسَاعَـاتٍ.

وَهَـؤُلَاءِ قَـدِ ارتَكَـبُـوا عِـدَّةَ أخْـطَاءٍ:

أَوَّلًا: لِأَنَّهُمْ صَامُوا قَبْلَ وَقْتِ الصِّيَامِ.

ثَانِيًا: يَتْرُكُونَ صَلَاةَ الفَجْرِ مَعَ الجَمَاعَةِ، فَـيَـعْـصُـونَ اللهَ بِتَركِ مَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ.

ثَالِثًا: رُبَّمَا يُـؤَخِّـرُونَ صَلَاةَ الفَجْرِ عَنْ وَقتِهَا، فَلَا يُصَلُّونَ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَهَـذَا أَشَـدُّ جُـرْمًا وَأَعْظَمُ إِثْمًا؛ قَالَ اللهُ تَعَالَىٰ:﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ۝﴾.

■ وَلَا بُـدَّ أَنْ يَنْوِيَ الصِّيَامَ الوَاجِبَ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَوْ نَـوَى الصِّيَامَ وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ؛ فَـإِنَّـهُ يُمْسِكُ، وَصِيَامُهُ صَحِيحٌ تَـامٌّ إِنْ شَـاءَ اللهُ.

■ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الإِفْطَارِ، إِذَا تَحَقَّقَ غُـرُوبُ الشَّمْسِ بِمُشَاهَـدَتِهَا، أَوْ غَلَبَ عَلَىٰ ظَنِّهِ بِخَبَرِ ثِقَةٍ بِأَذَانٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَعَنْ سَهْـلِ بْنِ سَعْـدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:«لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَقَالَ ﷺ فِيمَا يَـرْوِيـهِ عَنْ رَبِّـه عَزَّ وَجَلَّ:«إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا».

■ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُفْطِرَ عَلَىٰ رُطَبٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؛ فَعَلَىٰ تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؛ فَعَلَىٰ مَـاءٍ؛

لِقَوْلِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:(كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَىٰ رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ، فَتَمَرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَمَرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ…) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

فَـإِنْ لَـمْ يَجِدْ رُطَبًا وَلَا تَمْرًا وَلَا مَـاءًا؛ أَفْـطَـرَ عَلَىٰ مَا تَيَسَّرَ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ.

■ وَهُـنَـا أمْــرٌ يَــجِــبُ الـتَّـنْـبِــيهُ عَـلَـيْـهِ، وَهُـوَ: أَنَّ بَـعْـضَ الـنَّـاسِ…

– نَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ ، وَنُكْمِلُ فِي الْعَدَدِ الْقَادِمِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ –

__________

[ الجُزْءُ الأَوَّل: صَـــ: ٢٦٦ ] .






■ سِـلْـسِلَـةُ الْـمُـلَـخَّص الْـفِـقْـهِـي ■ لِمَعَالِي شَيْخِنَا العَلَّامَة الدُّكْـتُور / صَالِح بن فَوْزَان الفَوْزَان حَفِظَهُ اللهُ وَرَعَاهُ وأَمَدَّهُ بِالعَافِيَةِ

– كِـتَـابُ الــصِّــيَــام – الـعَـدَد:(  ٦  )

__________

وَصَلْنَا إِلَىٰ قَوْلِ شَيْخِنَا حَفِظَهُ اللهُ :

■ وَهُـنَـا أمْــرٌ يَــجِــبُ الـتَّـنْـبِــيهُ عَـلَـيْـهِ، وَهُـوَ: أنَّ بَـعْـضَ الـنَّـاسِ قَـدْ يَجْلِسُ عَلَىٰ مَائِدَةِ إِفْطَارِهِ وَيَتَعَشَّىٰ، وَيَتْرُكُ صَلَاةَ المَغْرِبِ مَعَ الجَمَاعَةِ فِي المَسْجِدِ، فَيَرْتَكِبُ بِذَلِكَ خَطَأً عَظِيمًا، وَهُـوَ التَّأَخُّرُ عَنِ الجَمَاعَةِ فِي المَسْجِدِ، ويُفَوِّتُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ثَـوَابًـا عَظِيمًا، وَيُعَرِّضُهَا لِلْعُقُوبَةِ.

وَالمَـشْـرُوعُ لِلصَّائِـمِ: أَنْ يُـفْـطِـرَ أَوَّلًا، ثُمَّ يَذْهَبُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يَتَعَشَّىٰ بَعْدَ ذَلِكَ.

■ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ إِفْطَارِهِ بِمَا أَحَبَّ؛ قَالَ ﷺ:«إِنَّ لِلصَّائِمِ عِـنْـدَ فِـطْـرِهِ دَعْـوَةً مَـا تُـرَدُّ».

وَمِـنَ الـدُّعَـاءِ الـوَارِدِ أَنْ يَـقُـولَ:(اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَىٰ رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ) [فِـيـهِ ضَـعـفٌ] وَكَـانَ ﷺ إِذَا أَفْطَـرَ يَقُولُ:«ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ».

وَهَـكَــذَا يَـنْـبَـغِـي لِلْـمُـسْـلِـمِ:

أَنْ يَتَعَلَّمَ أَحْـكَــامَ الصِّيَامِ وَالْإفْطَارِ وَقْتًا وَصِفَةً، حَتَّىٰ يُؤَدِّيَ صِيَامَهُ عَلَى الوَجْهِ المَشْرُوعِ المُوَافِقِ لِـسُـنَّــةِ الـرَّسُـولِ ﷺ، وَحَتَّىٰ يَكُونَ صِيَامُهُ صَحِيحًا، وَعَمَلُهُ مَقْبُولًا عِـنْـدَ اللهِ؛ فَـإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَهَـمِّ الأُمُـورِ،

قَالَ اللهُ تَعَالَىٰ:﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا۝﴾.

__________

[ الجُزْءُ الأَوَّل: صَـــ: ٢٦٦ – ٢٦٧ ] .





■ سِـلْـسِلَـةُ الْـمُـلَـخَّص الْـفِـقْـهِـي ■ لِمَعَالِي شَيْخِنَا العَلَّامَة الدُّكْـتُور / صَالِح بن فَوْزَان الفَوْزَان حَفِظَهُ اللهُ وَرَعَاهُ وأَمَدَّهُ بِالعَافِيَةِ

– كِـتَـابُ الــصِّــيَــام – الـعَـدَد:(  ٧  )

__________

قَالَ شَيْخُنَا عَفَا اللهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ:

        بَـابٌ فِي مُــفْـسِــدَاتِ الـصَّـوْمِ

■ لِلصِّيَامِ مُفْسِدَاتٌ يَجِبُ على المُسْلِمِ أَنْ يَعرِفَهَا؛ لِيَتَجَنَّبَهَا، ويَحْذَرَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا تُفْطِرُ الصَّائِمَ، وَتُفْسِدُ عَلَيْهِ صِيَامَهُ، وَهَــذِهِ الـمُـفْـطِـرَاتُ، مِـنْــهَـا:

١ – الــــجِـــمَــــاعُ:

فَمَتَىٰ جَـامَـعَ الصَّائِمُ؛ بَطَلَ صِيَامُهُ، وَلَـزِمَـهُ قَضَاءُ ذَلِكَ اليَوْمِ الَّـذِي جَـامَـعَ فِيهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَـعَ قَضَائِهِ: الْـكَـفَّـارَةُ، وَهِيَ: عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الرَّقَبَةَ أَوْ لَمْ يَجِدْ قَيمَتَهَا؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِـعْ صِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؛ بأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَىٰ ذَلَِكَ لِـعُـذْرٍ شَـرْعِـيٍّ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنَ الطَّعَامِ المَأْكُولِ فِي البَلَدِ.

٢ – إنْـزَالُ المَنِيِّ؛ بِسَبَبِ تَقْبِيلٍ أَوْ لَمْسٍ أوِ اسْتِمْنَاءٍ أَوْ تكـرَارِ نَظَرٍ:

فَإِذَا حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَعَلَيْهِ القَضَاءُ فَقَط بِدُونِ كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّ الكَفَّارَةَ تَخْتَصُّ بِالجِمَاعِ.

وَالنَّائِمُ إذَا احْتَلَمَ فَأَنْزَلَ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَصِيَامُهُ صَحِيحٌ؛ لأنَّ ذَلِكَ وَقَعَ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ مِنَ الجَنَابَةِ.

٣ – الْأَكْـلُ أَوِ الـشُّـرْبُ مُـتَـعَـمِّـدًا:

لِقَوْلِهِ تَعَالَىٰ:﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾.

أَمَّا مَنْ أَكَلَ وَشَرِبَ نَاسِيًا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ عَلَىٰ صِيَامِهِ، وَفِي الحَدِيثِ:«مَنْ أَكَلَ أوْ شَرِبَ نَاسِيًا؛ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ».

ومِـمَّا يُـفْـطِـرُ الـصَّـائِـمَ:

إِيصَالُ المَاءِ وَنَحْوِهِ إِلَىٰ الجَوْفِ عَنْ طَرِيقِ الأَنْفِ، وَهُوَ مَا يُسَمَّىٰ: بِالسَّعُوطِ، وَأَخْذُ المُغَذِّي عَنْ طَرِيقِ الوَرِيدِ، وَحَقْنُ الدَّمِ فِي الصَّائِمِ، كُـلُّ ذَلِكَ يُفْسِدُ صَوْمَهُ؛ لِأَنَّهُ تَغْذِيَةٌ لَـهُ.

وَمِـنْ ذَلِـكَ أيْـضًا:

حَقْنُ الصَّائِمِ بِالْإِبَرِ المُغَذِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ الطَّعَامِ، وَذَلِكَ يُفْسِدُ الصِّيَامَ،

أمَّا الإِبَرُ غَيرُ المُغَذِّيَةِ؛ فَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَيْضًا: أَنْ يَتَجَنَّبَهَا، مُحَافَظَةً عَلَىٰ صِيَامِهِ، وَلِقَوْلِهِ ﷺ:«دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَىٰ مَا لَا يَرِيبُكَ» وَيُؤَخِّـرُهَـا إِلَـىٰ اللَّـيْـلِ.

– نَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ ، وَنُكْمِلُ فِي الْعَدَدِ الْقَادِمِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ –

__________

[ الجُزْءُ الأَوَّل: صَـــ: ٢٦٨ – ٢٦٩ ] .





■ سِـلْـسِلَـةُ الْـمُـلَـخَّص الْـفِـقْـهِـي ■ لِمَعَالِي شَيْخِنَا العَلَّامَة الدُّكْـتُور / صَالِح بن فَوْزَان الفَوْزَان حَفِظَهُ اللهُ وَرَعَاهُ وأَمَدَّهُ بِالعَافِيَةِ

– كِـتَـابُ الــصِّــيَــام – الـعَـدَد:(  ٨  )

__________

تَــابِــع:

        بَــابٌ فِي مُـــفْـسِــدَاتِ الـصَّــوْمِ

وَصَلْنَا إِلَىٰ قَوْلِ شَيْخِنَا حَفِظَهُ اللهُ:

٤ – إخْــرَاجُ الــدَّمِ مِـنَ الـبَـدَنِ:

بِحِجَامَةٍ أَوْ فَصْدٍ أَوْ سَحْبِ دَمٍ، لِيَتَبَرَّعَ بِهِ لِإِسْعَافِ مَرِيضٍ؛ فَيُفْطِرُ بِذَلِكَ كُلِّهِ.

أمَّا إِخْرَاجُ دَمٍ قَلِيلٍ، كَالَّـذِي يُسْتَخْرَجُ لِلتَّحْلِيلِ؛ فَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ عَلَى الصِّيَامِ، وَكَـذَا خُـرُوجُ الـدَّمِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، بِرُعَافٍ أَوْ جُرحٍ أَوْ خَلْعِ سِنٍّ؛ فَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ عَلَى الصِّيَامِ.

٥ – وَمِنَ المُفْطِرَاتِ: التَّقَيُّؤُ:

وَهُوَ: اسْتِخْرَاجُ مَا فِي المَعِدَةِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ، عَنْ طَرِيقِ الفَمِ مُتَعَمِّدًا؛

فَهَذَا يُفْطِرُ بِهِ الصَّائِمُ،

أمَّا إذا غَلَبَهُ القَيْءُ وَخَرَجَ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ؛ فَلَا يُؤَثِّرُ عَلَىٰ صِيَامَهِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ:«مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ؛ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، ومَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا؛ فَلْيَقْضِ» وَمَعنَىٰ:«ذَرَعَهُ الْقَيْءُ» أي: خَـرَجَ بِـدُونِ اخْتِيَارِهِ، وَمَعنَىٰ قَوْلِهِ:«اسْتَقَاءَ» أي: تَعَمَّدَ القَيْءَ.

■ وَيَنْبَغِي أَنْ يتَجَنَّبَ الصَّائِمُ: الِاكْـتِحَالَ، وَمُـدَاوَاةَ العَيْنَيْنِ بِقَطْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا وَقْتَ الصِّيَامِ؛ مُحَافَظَةً عَلَىٰ صِيَامِهِ.

■ وَلَا يُبَالِـغْ فِي المَضْمَضَةِ والِاسْتِنْشَاقِ؛ لِأنَّهُ رُبَّمَا ذَهَبَ المَاءُ إلىٰ جَوْفِهِ؛ قَالَ ﷺ:«وَبَـالِـغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَـكُـونَ صَائِمًا».

■ وَالسِّوَاكُ لَا يُؤَثِّرُ عَلَى الصِّيَامِ، بَـلْ هُـوَ مُسْتَحَبٌّ وَمُرَغَّبٌ فِيهِ لِلصَّائِمِ وَغَيْرِهِ، فِي أوَّلِ النَّهَارِ وَآخِرِهِ علىٰ الصَّحِيحِ.

■ وَلَـوْ طَـارَ إلىٰ حَلْقِهِ غُبَارٌ أَوْ ذُبَـابٌ؛ لَـمْ يُـؤَثِّـرْ عَلَىٰ صِيَامِهِ.

■ وَيَجِبُ عَلَى الصَّائِمِ: اجْتِنَابُ كَـذِبٍ وَغِيبَةٍ وَشَتْمٍ…

– نَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ ، وَنُكْمِلُ فِي الْعَدَدِ الْقَادِمِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ –

__________

[ الجُزْءُ الأَوَّل: صَـــ: ٢٦٩ ] .










■ سِـلْـسِلَـةُ الْـمُـلَـخَّص الْـفِـقْـهِـي ■ لِمَعَالِي شَيْخِنَا العَلَّامَة الدُّكْـتُور / صَالِح بن فَوْزَان الفَوْزَان حَفِظَهُ اللهُ وَرَعَاهُ وأَمَدَّهُ بِالعَافِيَةِ

– كِـتَـابُ الــصِّــيَــام – الـعَـدَد:(  ٩  )

__________

وَصَلْنَا إِلَىٰ قَوْلِ شَيْخِنَا حَفِظَهُ اللهُ :

■ وَيَجِبُ عَلَى الصَّائِمِ: اجْتِنَابُ كَـذِبٍ وَغِيبَةٍ وَشَتْمٍ، وَإِنْ سَابَّهُ أحَدٌ أَوْ شَتَمَهُ؛ فَلْيَقُـلْ: إنِّي صَائِمٌ؛ فَـإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يَسْهُلُ عَلَيْـهِ تَـركُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلَكِنْ لَا يَسْهُـلُ عَلَيْهِ تَـركُ مَا اعْتَادَهُ مِنَ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ الـرَّدِيـئَـةِ،

وَلِـهَـذَا قَـالَ بَعْـضُ السَّلَـفِ:(أَهْوَنُ الصِّيَامِ تَـرْكُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ).

■ فَعَلَى المُسْلِمِ: أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ وَيَخَافَهُ، ويَسْتَشْعِـرَ عَظَمَةَ رَبِّهِ، واطِّلَاعَهُ عَلَيْهِ فِي كُـلِّ حِينٍ وَعَلَىٰ كُـلِّ حَـالٍ، فَيُحَافِظُ عَلَىٰ صِيَامِهِ مِنَ المُفْسِدَاتِ وَالمُنْقِصَاتِ؛ لِيَكُونَ صِيَامُهُ صَحِيحًا.

■ وَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ: أَنْ يَشْتَغِلَ بِذِكْرِ اللهِ، وَتِلَاوَةِ الـقُــرآنِ، وَالْإِكْثَارِ مِنَ النَّوَافِلِ، فَقَدْ كَانَ السَّلَفُ إِذَا صَامُوا؛ جَلَسُوا فِي المَسَاجِدِ، وَقَالُوا: نَحْفَظُ صَوْمَنَا، وَلَا نَغْتَابُ أَحَـدًا.

■ وَقَـالَ ﷺ:«مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ؛ فَلَيْسَ لِلهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ التَّقَرُّبُ إِلَى اللهِ تَعَالَىٰ بِتَرْكِ هَـذِهِ الشَّهَوَاتِ المُبَاحَةِ في غَيْرِ حَـالَـةِ الصِّيَامِ، إِلَّا بَعْدَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِتَركِ مَا حَـرَّمُ اللهُ عَلَيْهِ فِي كُـلِّ حَـالٍ؛ مِنَ الـكَـذِبِ والظُّلْمِ، وَالعُدْوَانِ عَلَى النَّاسِ فِي دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْـرَاضِهِمْ، رُوِيَ عَنْ أَبِي هُـرَيْـرَةَ مَـرفُوعًا:«الصَّائِمُ فِي عِبَادَةٍ مَا لَمْ يَغْتَبْ مُسْلِمًا أوْ يُؤْذِهِ» وَعَنْ أنَسٍ:(مَا صَامَ مَن ظَلَّ يَأْكُـلُ لُحُومَ النَّاسِ).

■ فَالصَّائِمُ يَتْرُكُ أَشْيَاءَ كَانَت مُبَاحَةً فِي غَيْرِ حَالَـةِ الصِّيَامِ؛ فَمِنْ بَـابِ أَوْلَـىٰ أَنْ يَتـرُكَ الْأَشْيَـاءَ الَّتِي لَا تَـحِـلُّ لَـهُ فِي جَمِيعِ الأَحْـوَالِ؛ لِيَكُـونَ فِي عِــدَادِ الصَّائِـمِـيـنَ حَـقًّـا.

__________

[ الجُزْءُ الأَوَّل: صَـــ: ٢٦٩ – ٢٧٠ ] .





■ سِـلْـسِلَـةُ الْـمُـلَـخَّص الْـفِـقْـهِـي ■ لِمَعَالِي شَيْخِنَا العَلَّامَة الدُّكْـتُور / صَالِح بن فَوْزَان الفَوْزَان حَفِظَهُ اللهُ وَرَعَاهُ وأَمَدَّهُ بِالعَافِيَةِ

– كِـتَـابُ الــصِّــيَــام – الـعَـدَد:(  ١٠  )

__________

قَالَ شَيْخُنَا عَفَا اللهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ:

    بَـابٌ فِي بَيَانِ أحْكَـامِ القَضَاءِ لِلصِّيَامِ

■ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ؛ كَالأَعْـذَارِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تُبِيحُ الفِطْرَ، أَوْ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ؛ كَمَنْ أَبْـطَـلَ صَوْمَهُ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ القَضَاءُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَىٰ:﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾.

■ وَيُسْتَحَبُّ لَـهُ المُبَادَرَةُ بِالقَضَاءِ؛ لِإِبْـرَاءِ ذِمَّتِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ القَضَاءُ مُتَتَابِعًا؛ لِأَنَّ القَضَاءَ يَـحْـكِـي الأَدَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَقْضِ عَلَى الفَوْرِ؛ وَجَبَ العَزْمُ عَلَيْهِ.

■ وَيَجُوزُ لَـهُ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ مُوَسَّعٌ، وَكُلُّ وَاجِبٍ مُوَسَّعٍ، يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ مَعَ العَزْمِ عَلَيْهِ، كَمَا يَجُوزُ تَفْرِقَتُهُ؛ بِأَنْ يَصُومَهُ مُتَفَرِّقًا، لَكِنْ إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْبَانَ إِلَّا قَدْرَ مَا عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّتَابُعُ إِجْمَاعًا؛ لِضِيقِ الوَقْتِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إِلَىٰ مَا بَـعْـدَ رَمَضَانَ الآخَـرِ لِغَيْرِ عُـذْرٍ؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا:(كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إلَّا فِي شَعْبَانَ؛ لِمَكَانِ رَسُولِ اللهِ ﷺ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

فَـدَلَّ هَـذَا عَلَىٰ أنَّ وَقْتَ القَضَاءِ مُوَسَّعٌ؛ إِلَىٰ أَنْ لَا يَبْقَىٰ مِنْ شَعْبَانَ إلَّا قَدْر الأَيَّامِ الَّتِي عَلَيْهِ؛ فَيَجِبُ عَلَيْهِ صِيَامُهَا قَبْلَ دُخُـولِ رَمَضَانَ الجَدِيدِ.

■ فَـإِنْ أَخَـرَّ القَضَاءَ حَتَّىٰ أَتَىٰ عَلَيْهِ رَمَضَانُ الجَدِيدُ؛ فَـإِنَّـهُ يَصُومُ رَمَضَانَ الحَاضِرَ، وَيَقْضِي مَا عَلَيْهِ بَعْدَهُ، ثُمَّ إِنْ كَانَ تأخِيرُهُ لِـعُـذْرٍ لَمْ يَتَمَكَّنْ مَعَهُ مِنَ القَضَاءِ فِي تِلْكَ الفَتْرَةِ؛ فَـإِنَّـهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا القَضَاءُ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُـذْرٍ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ مَـعَ القَضَاءِ: إِطْعَامُ مِسْكِينٍ عَـنْ كُلِّ يَوْمٍ، نِصْفُ صَـاعٍ مِنْ قُوتِ البَلَدِ.

■ وَإِذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ القَضَاءُ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ الجَدِيدِ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْه؛ لِأَنَّ لَـهُ تَأْخِيرَهُ فِي تِلْكَ الفَتْرَةِ الَّتِي مَـاتَ فِيهَا، وَإِنْ مَـاتَ بَعْدَ رَمَضَانَ الجَدِيدِ: فَـإِنْ كَانَ تَأْخِيرُهُ القَضَاءَ لِـعُـذْرٍ – كَالمَرَضِ وَالسَّفَرِ – حَتَّىٰ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ الجَدِيدُ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْضًا.

■ وَإِنْ كَانَ تَأْخِيرُهُ لِـغَـيْـرِ عُـذْرٍ؛ وَجَبَتِ الكَفَّارَةُ فِي تَرِكَتِهِ؛ بِأَنْ يُخْرَجَ عَنْهُ إِطْعَامُ مِسْكِينٍ عَنْ كُـلِّ يَـوْمٍ.

– نَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ ، وَنُكْمِلُ فِي الْعَدَدِ الْقَادِمِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ –

__________

[ الجُزْءُ الأَوَّل: صَـــ: ٢٧١ ] .





■ سِـلْـسِلَـةُ الْـمُـلَـخَّص الْـفِـقْـهِـي ■ لِمَعَالِي شَيْخِنَا العَلَّامَة الدُّكْـتُور / صَالِح بن فَوْزَان الفَوْزَان حَفِظَهُ اللهُ وَرَعَاهُ وأَمَدَّهُ بِالعَافِيَةِ

– كِـتَـابُ الــصِّــيَــام – الـعَـدَد:(  ١١  )

__________

وَصَلْنَا إِلَىٰ قَوْلِ شَيْخِنَا حَفِظَهُ اللَّٰهُ:

■ وَإِنْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ كَـفَّـارَةٍ؛ كَصَوْمِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَالصَّوْمِ الوَاجِبِ عَنْ دَمِ المُتْعَةِ فِي الحَجِّ؛ فإنَّهُ يُطْعَمُ عَنْهُ عَنْ كُـلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ، وَلَا يُصَامُ عَنْهُ، وَيَكُونُ الإِطْعَامُ مِنْ تَرِكَـتِهِ؛ لِأَنَّهُ صِيَامٌ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ فِي الحَيَاةِ، فَكَذَا بَـعْـدَ المَوْتِ، وَهَـذَا قَـوْلُ أَكْـثَـرِ أَهْـلِ الـعِـلْـمِ.

■ وَإِنْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ نَذْرٍ؛ اسْتُحِبَّ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ؛ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، أنَّ امْـرَأَةً جَـاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَت: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صِيَامُ نَـذْرٍ؛ أفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَـالَ:«نَعَم» وَالوَلِيُّ هُـوَ: الـوَارِثُ.

قَـالَ ابْـنُ القَيِّـمِ رَحِمَهُ اللهُ:(يُصَامُ عَنْهُ الـنَّــذْرُ دُونَ الـفَــرْضِ الأَصْلِيِّ، وَهَـذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَالمَنْصُوصُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ، وَهُـوَ مُقْتَضَى الـدَّلِيلِ وَالقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الـنَّـذْرَ لَيْسَ وَاجِبًا بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَإنَّمَا أوْجَبَهُ العَـبْـدُ عَلَىٰ نَفْسِهِ؛ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الـدَّيْـنِ، وَلِـهَـذَا شَبَّهَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِالـدَّيْـنِ، وَأَمَّا الصَّوْمُ الَّـذِي فَـرَضَهُ اللَّٰهُ عَلَيْهِ ابْـتِـدَاءً؛ فَهُوَ أَحَـدُ أَركَـانِ الإسْـلَامِ؛ فَـلَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ بِحَالٍ؛ كَمَا لَا تَدْخُلُ الصَّلَاةَ وَالشَّهَادَتَيْنِ، فَـإِنَّ المَقْصُودَ مِنْهُمَا طَاعَةُ العَـبْـدِ بِنَفْسِهِ، وَقِيَامُهُ بِحَقِّ العُبُودِيَّةِ الَّتِي خُلِقَ لَهَا، وَأُمِـرَ بِهَا، وَهَـذَا لَا يُؤَدِّيهِ عَنْهُ غَيْرُهُ، وَلَا يُصَلِّي عَنْهُ غَيْرُهُ).

وَقَـالَ شَيْخُ الإِسْـلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ:(يُطْعَمُ عَنْهُ كُـلَّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ، وَبِذَلِكَ أَخَذَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا، وَهُـوَ مُقْتَضَى النَّظَرِ، كَمَا هُوَ مُوجِبُ الأَثَـرِ؛ فَـإِنَّ الـنَّـذْرَ كَـانَ ثَابِتًا فِي الـذِّمَّـةِ؛ فَيُفْـعَـلُ بَـعْـدَ المَوْتِ، وَأَمَّا صَوْمُ رَمَضَانَ؛ فَـإِنَّ اللهَ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَى العَاجِزِ عَنْهُ، بَـلْ أمَـرَ العَاجِزَ بِالفِدْيَةِ طَعَامَ مِسْكِينٍ، وَالقَضَاءُ إِنَّمَا عَلَىٰ مَنْ قَدِرَ عليْهِ، لَا مَنْ عَجَزَ عَنْهُ؛ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَىٰ أَنْ يَقْضِيَ أَحَـدٌ عَـنْ أحَـدٍ، وَأَمَّا الصَّومُ لِـنَـذْرٍ وَغَيْرِهِ مِنَ المَنْذُورَاتِ؛ فَيُفعَـلُ عَنْـهُ بِـلَا خِـلَافٍ؛ لِـلْأَحَـادِيثِ الصَّحِيحَـةِ).

__________

[ الجُزْءُ الأَوَّل: صَـــ: ٢٧٢ ] .




■ سِـلْـسِلَـةُ الْـمُـلَـخَّص الْـفِـقْـهِـي ■ لِمَعَالِي شَيْخِنَا العَلَّامَة الدُّكْـتُور / صَالِح بن فَوْزَان الفَوْزَان حَفِظَهُ اللهُ وَرَعَاهُ وأَمَدَّهُ بِالعَافِيَةِ

– كِـتَـابُ الــصِّــيَــام – الـعَـدَد 🙁  ١٢  )

__________

قَالَ شَيْخُنَا عَفَا اللهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ:

 بَـابٌ فِي مَا يَلْزَمُ مَنْ أَفْطَـرَ لِكِـبَرٍ أَوْ مَـرَضٍ

■ إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ أَوْجَبَ صَوْمَ رَمَضَانَ عَلَى المُسْلِمِينَ؛ أَدَاءً فِي حَقِّ غَيْرِ ذَوِي الأَعْـذَارِ، وَقَضَاءً فِي حَقِّ ذَوِي الأَعْـذَارِ، الَّـذِيـنَ يَسْتَطِيعُونَ القَضَاءَ فِي أَيَّـامٍ أُخَـرَ.

وَهُنَاكَ صِنْفٌ ثَالِثٌ لَا يَسْتَطِيعُونَ الصِّيَامَ أَدَاءً وَلَا قَضَاءً؛ كَالكَبِيرِ الهَرِمِ، وَالمَرِيضِ الَّـذِي لَا يُرْجَىٰ بُرْؤُهُ ؛ فَهَذَا الصِّنْفُ قَدْ خَفَّفَ اللهُ عَنْهُ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ بَـدَلَ الصِّيَامِ: إِطْعَامَ مِسْكِينٍ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنَ الطَّعَامِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَىٰ:﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ وَقَالَ تَعَالَىٰ:﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا:(هِيَ لِلْكَبِيرِ الَّـذِي لَا يَستَطِيعُ الصَّوْمَ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

■ وَالمَرِيضُ الَّـذِي لَا يُرجَىٰ بُـرْؤُهُ مِنْ مَرَضِهِ فِي حُكْمِ الكَبِيرِ؛ فَيُطْعِمُ عَنْ كُـلِّ يَـوْمٍ مِسْكِينًا.

■ وَأَمَّا مَنْ أَفْـطَـرَ لِـعُـذْرٍ يَـزُولُ؛ كَالمُسَافِرِ، وَالمَرِيضِ مَرَضًا يُرْجَىٰ زَوَالُـهُ، وَالحَامِلِ وَالمُرْضِعِ إِذَا خَافَتَا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمَا َأوْ عَلَىٰ وَلَدَيهِمَا، وَالحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ؛ فإنَّ كُـلًّا مِنْ هَـؤُلَاءِ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ القَضَاءُ؛ بِـأَنْ يَصُومَ مِنْ أيَّـامِ أُخَـرَ، بِـعَـدَدِ الأَيَّـامِ الَّتِي أَفْطَرَهَا؛ قَالَ تَعَالَىٰ:﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾.

■ وَفِطْرُ المَرِيضِ الَّـذِي يَضُرُّهُ الصَّوْمُ، وَالمُسَافِـرِ الَّـذِي يَجُوزُ لَـهُ قَصْرُ الصَّلَاةِ؛ سُــنَّــةٌ؛ لِقَوْلِـهِ تَعَالَىٰ فِي حَقِّهِمْ:﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ أَي: فَلْيُفْـطِـرْ وَلْيَقْضِ عَـدَدَ مَا أَفْـطَـرَهُ، قَالَ تَعَالَىٰ:﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ وَالنَّبِيُّ ﷺ مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ؛ إلَّا اخْتَارَ أيْسَرَهُمَا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ:«لَيْسَ مِـنَ البِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَـرِ».

■ وَإِنْ صَامَ المُسَافِرُ، أَوِ المَرِيضُ الَّـذِي يَشُقُّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ؛ صَحَّ صَوْمُهُمَا مَـعَ الـكَـرَاهَـةِ.

وَأَمَّا الحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ؛ فَـيَـحْــرُمُ فِي حَقِّهَا الصَّوْمُ حَـالَ الحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَلَا يَصِحُّ.

■ وَالمُرْضِـعُ وَالحَامِـلُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا قَضَاءُ مَا أَفْطَرَتَا مِنْ أَيَّـامٍ أُخَـرَ، وَيَجِبُ مَـعَ القَضَاءِ عَلَىٰ مَنْ أَفْطَرَتْ لِلْخَوْفِ عَلَىٰ وَلَـدِهَـا؛ إِطْعَامُ مِسْكِينٍ عَنْ كُـلِّ يَـوْمٍ أَفْـطَـرَتْـهُ.

وَقَالَ العَلَّامَةُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّٰهُ:(أَفْتَىٰ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، فِي الحَامِلِ والمُرضِعِ إِذَا خَافَتَا عَلَىٰ وَلَـدَيهِمَا: أَنْ تُـفْـطِـرَا وَتُـطْـعِـمَـا عَنْ كُـلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا؛ إِقَـامَـةً لِـلإِطْعَـامِ مَـقَـامَ الصِّيَامِ) يَعْنِي: أَدَاءً، مَـعَ وُجُوبِ القَضَاءِ عَلَيْهِمَا.

– نَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ ، وَنُكْمِلُ فِي الْعَدَدِ الْقَادِمِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ –

__________

[ الجُزْءُ الأَوَّل: صَـــ: ٢٧٣ – ٢٧٤ ] .






■ سِـلْـسِلَـةُ الْـمُـلَـخَّص الْـفِـقْـهِـي ■ لِمَعَالِي شَيْخِنَا العَلَّامَة الدُّكْـتُور / صَالِح بن فَوْزَان الفَوْزَان حَفِظَهُ اللهُ وَرَعَاهُ وأَمَدَّهُ بِالعَافِيَةِ

– كِـتَـابُ الـصِّـيَـامِ – الـعَـدَد:( ١٣ وَالأَخِيـر )

__________

وَصَلْنَا إِلَىٰ قَوْلِ شَيْخِنَا حَفِظَهُ اللهُ:

■ وَيَجِبُ الفِـطْـرُ عَلَىٰ مَـنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ، لِإِنْقَاذِ مَنْ وَقَعَ فِي هَلَـكَـةٍ؛ كَالغَرِيقِ وَنَحْوِهِ.

وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ:(وَأَسْبَابُ الفِطْرِ أَربَعَةٌ: السَّفَـرُ، وَالمَرَضُ، وَالحَيْضُ، وَالخَوْفُ مِـنْ هَلَاكِ مَنْ يُخْشَىٰ عَلَيْهِ الهَلَاكُ بِالصَّوْمِ؛ كَالمُرْضِعِ وَالحَامِلِ، وَمِثْلُهُ: مَسْأَلَـةُ الـغَـرِيقِ.

■ وَيَجِبُ عَلَى المُسْلِمِ تَعْيِينُ نِيَّةِ الصَّوْمِ الوَاجِبِ مِنَ اللَّيْلِ؛ كَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَصَوْمِ الكَـفَّـارَةِ، وَصَوْمِ الـنَّـذْرِ؛ بِأَنْ يَعْتَـقِـدَ أنَّهُ يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ قَضَائِهِ، أَوْ يَصُومُ نَذْرًا أَوْ كَـفَّـارَةً؛ لِـقَـوْلِـهِ ﷺ:«إِنَّمَا الأَعْـمَـالُ بِالنِّـيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِـكُـلِّ امْـرِئٍ مَا نَوَىٰ» وَعَنْ عَائِشَةَ مَـرفُـوعًـا:«مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ؛ فَلَا صِيَامَ لَـهُ» فَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ الصَّومَ الوَاجِبَ فِي اللَّيلِ.

فَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ مِنَ النَّهَارِ؛ كَمَنْ أَصْبَحَ وَلَمْ يَـطْـعَـمْ شَيْئًا بَـعْـدَ طُلُوعِ الفَجْرِ، ثُمَّ نَوَى الصِّيَامَ؛ لَمْ يُجْزِئْـهُ؛ إلَّا فِي التَّطَوُّعِ.

وَأَمَّا الصَّوْمُ الوَاجِبُ؛ فَـلَا يَنْـعَـقِــدُ بِنِيَّتِهِ مِنَ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ النَّهَارِ يَجِبُ فِيهِ الصَّوْمُ، وَالنِّيَّةُ لَا تَنعَطِفُ عَلَى المَاضِي.

■ أَمَّا صَوْمُ النَّـفْـلِ؛ فَيَجُوزُ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ؛ لِحَدِيثِ عَـائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: دَخَـلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ:«هَـلْ عِنْدَكُم مِنْ شَيْءٍ؟» فَقُلْنَا: لَا، قَـالَ:«فَإِنِّي صَائِمٌ» رَوَاهُ الجَمَاعَةُ إِلَّا البُخَارِيَّ؛ فَفِي الحَدِيثِ أَنَّهُ ﷺ كَـانَ مُفْـطِـرًا لأنَّهُ طَلَبَ طَعَامًا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَىٰ جَـوَازِ تَـأْخِـيـرِ نِـيَّـةِ الصَّوْمِ إِذَا كَـانَ تَـطَـوُّعًـا، فَتُخَصَّصُ بِـهِ الأَدِلَّـةُ الـمَـانِـعَـةُ.

■ فَـشَـرْطُ صِـحَّـةِ صَـوْمِ النَّفْـلِ بِنِيَّـةٍ مِنَ النَّهَارِ: أَنْ لَا يُـوجَـدُ قَـبْـلَ النِّيَّـةِ مُنَافٍ لِلصِّيَامِ، مِنْ أكْـلٍ وَشُـرْبٍ وَنَحْوِهِمَا، فَـإِنْ فَـعَـلَ قَـبْـلَ النِّيَّةِ مَا يُفَـطِّـرُهُ؛ لَمْ يَصِحَّ الصِّيَامُ بِـغَـيْـرِ خِـلَافٍ.

__________

[ الجُزْءُ الأَوَّل: صَـــ: ٢٧٤ – ٢٧٥ ] .