تفسير: وجنات ألفافا، الآية 16 من سورة النبأ

الآية 16 من سورة النبأ

قال تعالى: (وَجَنَّٰتٍ أَلۡفَافًا) [النبأ - الآية 16]

تفسير جلالين

«وجنات» بساتين «ألفافا» ملتفة، جمع لفيف كشريف وأشراف.

تفسير السعدي

وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا أي: بساتين ملتفة، فيها من جميع أصناف الفواكه اللذيذة.

فالذي أنعم عليكم بهذه النعم العظيمة ، التي لا يقدر قدرها، ولا يحصى عددها، كيف [تكفرون به و] تكذبون ما أخبركم به من البعث والنشور؟! أم كيف تستعينون بنعمه على معاصيه وتجحدونها؟".

تفسير بن كثير

( وجنات ) أي : بساتين وحدائق من ثمرات متنوعة ، وألوان مختلفة ، وطعوم وروائح متفاوتة ، وإن كان ذهلك في بقعة واحدة من الأرض مجتمعا ; ولهذا قال : ( وجنات ألفافا ) قال ابن عباس ، وغيره : ( ألفافا ) مجتمعة.

وهذه كقوله تعالى : ( وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) الآية [ الرعد : 4 ].

تفسير الوسيط للطنطاوي

أما الدليل التاسع على قدرته - تعالى - على البعث ، فنراه فى قوله - تعالى - 🙁 وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات مَآءً ثَجَّاجاً.

لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً.

وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً ).

والمعصرات - بضم الميم وكسر الصاد - السحب التى تحمل المطر ، جمع معصرة - بكسر الصاد - اسم فاعل ، من أعصرت السحابة إذا أوشكت على إنزال الماء لامتلائها به.

قال ابن كثير : عن ابن عباس : " المعصرات " الرياح.

لأنها تستدر المطر من السحاب.

وفى رواية عنه أن المراد بها : السحاب ، وكذا قال عكرمة.

واختاره ابن جرير.

وقال الفراء : هى السحاب التى تتحلب بالماء ولم تمطر بعد ، كما يقال : امرأة معصر ، إذا حان حيضها ولم تحض بعد.

وعن الحسن وقتادة : المعصرات : يعنى السموات.

وهذا قول غريب ، والأظهر أن المراد بها السحاب ، كما قال - تعالى - : ( الله الذي يُرْسِلُ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السمآء كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الودق يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ.

) والثجاج : المندفع بقوة وكثرة ، يقال : ثج الماء - كرد - إذا انصب بقوة وكثرة.

ومطر ثجاج ، أى : شديد الانصباب جدا.

وقوله : ( أَلْفَافاً ) اسم جمع لا واحد له من لفظه ، كالأوزاع للجماعات المتفرقة.

وقيل : جمع لفيف ، كأشراف وشريف.

أى : وأنزلنا لكم - يا بنى آدم - بقدرتنا ورحمتنا - من السحائب التى أوشكت على الإِمطار ، ماء كثيرا متدفقا بقوة ، لنخرج بهذا الماء حبا تقتاتون به - كالقمح والشعير.

ونباتا تستعملونه لدوابكم كالتبن والكلأ ، ولنخرج بهذا الماء - أيضا - بساتين قد التفت أغصانها لتقاربها وشدة نمائها.

فهذه تسعة أدلة أقامها - سبحانه - على أن البعث حق ، وهى أدلة مشاهدة محسوسة ، لا يستطيع عاقل إنكار واحد منها.

وما دام الأمر كذلك فكيف ينكرون قدرته على البعث ، مع أنه - تعالى - قد أوجد لهم كل هذه النعم التى منها ما يتعلق بخلقهم ، ومنها ما يتعلق بالأرض والسموات ، ومنها ما يتعلق بنومهم ، وبالليل والنهار ، ومنها ما يتعلق بالشمس ، وبالسحب التى تحمل لهم الماء الذى لا يحاة لهم بدونه.

وبعد إيراد هذه الأدلة المقنعة لكل عاقل ، أكد - سبحانه - ما اختلفوا فيه ، وما تساءلوا عنه.

تفسير البغوي

"وجنات ألفافاً" ملتفة بالشجر، واحدها لف ولفيف، وقيل: هو جمع الجمع، يقال: جنة لفا، وجمعها لف، بضم اللام، وجمع الجمع ألفاف.

تفسير القرطبي

قوله تعالى : وجنات أي بساتين ألفافا أي ملتفة بعضها ببعض لتشعب أغصانها ، ولا واحد له كالأوزاع والأخياف.

وقيل : واحد الألفاف لف بالكسر ولف بالضم.

ذكره الكسائي ، قال :جنة لف وعيش مغدق وندامى كلهم بيض زهروعنه أيضا وأبي عبيدة : لفيف كشريف وأشراف.

وقيل : هو جمع الجمع.

حكاه الكسائي.

يقال : جنة لفاء ونبت لف والجمع لف بضم اللام مثل حمر ، ثم يجمع اللف ألفافا.

الزمخشري : ولو قيل جمع ملتفة بتقدير حذف الزوائد لكان وجيها.

ويقال : شجرة لفاء وشجر لف وامرأة لفاء : أي غليظة الساق مجتمعة اللحم.

وقيل : التقدير : ونخرج به جنات ألفافا ، فحذف لدلالة الكلام عليه.

ثم هذا الالتفاف والانضمام معناه أن الأشجار في البساتين تكون متقاربة ، فالأغصان من كل شجرة متقاربة لقوتها.

تفسير الطبري

وقوله: (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) يقول: ولنخرج بذلك الغيث جنات، وهي البساتين، وقال: (وَجَنَّاتٍ) والمعنى: وثمر جنات، فترك ذكر الثمر استغناء بدلالة الكلام عليه من ذكره.

وقوله: (أَلْفَافًا) يعني: ملتفة مجتمعة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) قال: مجتمعة.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) يقول: وجنات التفّ بعضها ببعض.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) قال: ملتفة.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) قال: التفّ بعضها إلى بعض.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) قال: التفّ بعضها إلى بعض.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) قال: ملتفة.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) قال: هي الملتفة، بعضها فوق بعض.

واختلف أهل العربية في واحد الألفاف، فكان بعض نحويي البصرة يقول: واحدها: لَفٌّ.

وقال بعض نحويِّي الكوفة: واحدها: لف ولفيف، قال: وإن شئت كان الإلفاف جمعا واحده جمع أيضا، فتقول: جنة لفَّاء، وجنات لفّ، ثم يجمع اللَّفَّ ألفافا.

وقال آخر منهم: لم نسمع شجرة لفة، ولكن واحدها لفاء، وجمعها لفّ، وجمع لفّ: ألفاف، فهو جمع الجمع.

والصواب من القول في ذلك أن الألفاف جمع لفّ أو لفيف، وذلك أن أهل التأويل مجمعون على أن معناه: ملتفة، واللفاء، هي الغليظة، وليس الالتفاف من الغلظ في شيء، إلا أن يوجه إلى أنه غلظ الالتفاف، فيكون ذلك حينئذ وجها.